إياك والخلط بين الحركة والفعل. #إرنست همنغواي
تحميل كتاب المقصلة pdf الكاتب ألبير كامو
إن قابيل لم يقتل، وإن كان البشر ينظرون إليه على مر القرون نظرة استنكار: هذه هي، على كل حال، الأمثولة التي ينبغي علينا أن نستخلصها من العهد القديم، وكم بالأحرى من الأناجيل، بدلاً من أن نستوحي الأمثلة الفظة من الشريعة الموسوية. ولا شيء يمنع على كل حال أن تقدم بلادنا على تجربة ما، محددة زمنياً (لعشر سنوات مثلاً)، إذا كان برلماننا لا يزال عاجزاً عن التكفير عن اقتراعاته المحبذة لإنتاج الكحول بذلك التدبير الحضاري الكبير الذي هو إلغاء عقوبة الموت نهائياً. وإذا كان الرأي العام وممثلوه لا يستطيعون حقاً أن يتخلوا عن هذا القانون الكسول الذي يكتفي بمحق وجود من لا يستطيع إصلاحه، فلنسع على الأقل، بانتظار يوم تشرق فيه الحياة الجدية والحقيقية، إلى إلغاء هذا "المسلخ الاحتفالي" الذي يلوث مجتمعنا. إن عقوبة الموت كما تطبق، ومهما كان تطبيقها قليلاً، لهي مجزرة مقرفة، إهانة موجهة إلى شخص الإنسان وجسمه، إن بتر العنق هذا، وهذا الرأس الحي والمقطوع ونافورات الدم الطويلة هذه، إنما يعود تاريخها إلى عصر همجي كان يعتقد أنه يرهب الشعب بمشاهد مذلة. واليوم، إذ يتم تنفيذ هذا الموت الدنئ خلسة، فأي معنى بقي لهذا العذاب؟ الحقيقة هي أننا نقتل في عصر الذرة كما كنا نقتل في عصر القبان. وليس ثمة من إنسان طبعي الحساسية، لا يأخذه الغثيان، لمجرد التفكير بهذه الجراحة الفظة. وإذا كانت الدولة الفرنسية عاجزة عن الانتصار على نفسها في هذا المضمار، وعن أن تقدم لأوروبا أحد الأدوية التي هي بحاجة إليها، فتبدأ على الأقل بالإصلاح طريقة تطبيق عقوبة الموت. إن العلم الذي يفيد في القتل بكثرة يستطيع أن يفيد على الأقل في القتل بحشمة. إن بنجا ينقل المحكوم عليه من حالة النوم إلى الموت، ويظل بمتناوله لمدة يوم على الأقل كي يستعمله بحرية، ويفرض عليه بطريقة أخرى فيما إذا رفض استعماله أو خانته إرادته، إن بنجا كهذا سيضمن الموت، إذا ما بقينا متمسكين به، لكنه سيضفي شيئاً من الحشمة على عملية ليس فيها اليوم إلا عرض دنيء وبذيء.
إنني أشير إلى مثل هذا الحل الوسط بمقدار ما ينبغي علينا أن نيأس أحياناً من أن نرى الحكمة والحضارة تفرضان نفسيهما على المسؤولين عن مستقبلنا. إن معرفة عقوبة الموت على حقيقتها وعدم القدرة على منع تطبيقها شيء لا يحتمل ويقشعر له البدن بالنسبة لبعض البشر. وهم أكثر عدداً مما يظن. إنهم هم أيضاً يقاسون من هذه العقوبة، على طريقتهم، وبدون أي عدل. فلتخفف على الأقل من وطأة هذه الصور القذرة التي يرزحون تحتها، والمجتمع لن يخسر بذلك شيئاً. لكن هذا أيضاً في النهاية، ليس كافياً. فلن يكون هناك سلام دائم، لا في قلوب الأفراد ولا في أخلاق المجتمع، ما لم يوضع الموت خارج القانون.
في عام 1955، شرع آرثر كوستلر في شن حملة صحفية للمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام في إنكلترا. وبعد حملته هذه بمدة قصيرة من الزمن وافق مجلس العموم البريطاني على إلغاء هذه العقوبة، ولكن مجلس اللوردات المحافظ حال دون ذلك. وفي عام 1957، كتب ألبير كامو دراسته هذه عن عقوبة الإعدام ليضم صوته إلى صوت كوستلر، ويطالب بإلغاء عقوبة الإعدام في فرنسا
هذا الكتاب من تأليف ألبير كامو و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها
فيلسوف وجودي وكاتب مسرحي وروائي فرنسي مشهور.
ولد بقرية موندوفي من أعمال قسنطينة بالجزائر، من أب فرنسي، وأم أسبانية، وتعلم بجامعة الجزائر، وانخرط في المقاومة الفرنسية أثناء الاحتلال الألماني، وأصدر مع رفاقه في خلية الكفاح نشرة باسمها ما لبثت بعد تحرير باريس أن تحولت إلى صحيفة combat الكفاح اليومية التي تتحدث باسم المقاومة الشعبية, واشترك في تحريرها جان بول سارتر. ورغم أنه كان روائيا وكاتبا مسرحيا في المقام الأول, إلا أنه كان فيلسوفا.
وكانت مسرحياته ورواياته عرضا أمينا لفلسفته في الوجود والحب والموت والثورة والمقاومة والحرية، وكانت فلسفته تعايش عصرها، وأهلته لجائزة نوبل فكان ثاني أصغر من نالها من الأدباء. وتقوم فلسفته على كتابين هما ((أسطورة سيزيف)) 1942 والمتمرد1951 أو فكرتين رئيسيتين هما العبثية والتمرد ويتخذ كامو من أسطورة سيزيف رمزاً لوضع الإنسان في الوجود، وسيزيف هو هذا الفتى الإغريقي الأسطوري الذي قدّر عليه أن يصعد بصخرة إلى قمة جبل، ولكنها ما تلبث أن تسقط متدحرجة إلى السفح, فيضطر إلى إصعادها من جديد, وهكذا للأبد، وكامو يرى فيه الإنسان الذي قدر عليه الشقاء بلا جدوى، وقُدّرت عليه الحياة بلا طائل, فيلجأ إلى الفرار إما إلى موقف شوبنهاور : فطالما أن الحياة بلا معنى فلنقض عليها بالموت الإرادي أو بالانتحار، وإما إلى موقف الآخرين الشاخصين بأبصارهم إلى حياة أعلى من الحياة, وهذا هو الانتحار الفلسفي ويقصد به الحركة التي ينكر بها الفكر نفسه ويحاول أن يتجاوز نفسه في نطاق ما يؤدي إلى نفيه, وإما إلى موقف التمرد على اللامعقول في الحياة مع بقائنا فيها غائصين في الأعماق ومعانقين للعدم, فإذا متنا متنا متمردين لا مستسلمين. وهذا التمرد هو الذي يضفي على الحياة قيمتها, وليس أجمل من منظر الإنسان المعتز بكبريائه, المرهف الوعي بحياته وحريته وثورته, والذي يعيش زمانه في هذا الزمان : الزمان يحيي الزمان.
الكتب الأكثر قراءة
الكتب الأكثر قراءة