تحميل كتاب زنوج و بدو وفلاحون PDF

إياك والخلط بين الحركة والفعل. #إرنست همنغواي

كتاب زنوج و بدو وفلاحون PDF

تحميل كتاب زنوج و بدو وفلاحون PDF

تحميل كتاب زنوج و بدو وفلاحون pdf الكاتب غالب هلسا

الخيام المستطيلة المتجاورة تمتد من الشمال إلى الجنوب بخط شبه مستقيم، خيام سوداء مصنوعة من شعر الماعز يسكنها أفراد القبيلة، وأخرى صغيرة الحجم للزنوج والفلاحين وصنّاع الأدوات المنزلية والأسلحة، وهذه مصنوعة من الخيش أو شعر الجِمال. أمام خيام رجال القبيلة تقف خيول عربية أصيلة دقيقة الأطراف، ضامرة البطن، متوترة، قلقة. في الصباح تعلو ضجة المحْرَم وحركة الدخول والخروج تتزايد. تضع النساء ثلاثة أحجار كبيرة وتوقد بينها النار ويعددن عليها الطعام. العيون دامعة من الدخان، والرؤية عسيرة والأصوات النسائية تعلو كأنها تستغيث والأطفال يسرعون بين أأقدامهن فتتعثر فيهم النساء ويضربنهم إن كانوا في متناول اليد. ومع الضحى يقبل الورادون يسوقون حميراً محمّلة بقرب الماء: زنوج وفتيان وصبايا في المؤخرة يستمتعون بآخر لحظة من اللقاء والغزل. ومن رحلة ورود الماء تنشأ الزيجات المقبلة. وعند وصول الواردين تعلو ضجة أمام الخيام، وتكتسب الوجوه تعبيراً فيه جدية وتعاسة. يسود التوتر وتدع النساء ما كنّ يزاولنه من أعمال.

 التوتر يسري إلى الشيخ. تزداد عيناه الحمراوان نفاذاً وتبرز عقدة بين حاجبيه. يمسك بخيزرانته ويطرق الأرض برأسها المدور الأسمر طرقات سريعة متتالية. أمام كل خيمة يقف حمار أو اثنان، وأمام بيت الشيخ وقفت ثمانية حمير وزنجيان وثلاث نساء. كانوا متربين، دامعي الأعين، تفوح منهم روائح العرق. الزنوج يشتمون النساء، والنساء يتوسلن إلى الرب أن يزيل الزنوج والرجال جميعاً والهم الذي يعشن فيه. يحدث هذا وكلهم مستغرقون في عملهم يفكون القرب عن ظهور الحمير، ويتعاونون في نقلها إلى داخل المحرم. عند باب المحرم تقف وضحا طويلة، مهيبة - خلف انفراجة شفتيها تلمع أسنانها البيضاء - مشيرة إلى المكان المخصّص للماء. يشرق وجهها، تتكون غمّازتان على جانبي الفم وتقول: - يعطيهم العافية.

 تتناثر الأصوات: يعافيها.. في المحرم زوجات الشيخ الأربع، وبعض الزنجيات والأطفال وبناته وبدويّة متسوّلة. وضحا أطول الجميع، وهي المركز الذي يدورون حوله. كل الحركات تتجه من وضحا وإليها. توقفت خيزرانة الشيخ عن طرقاتها العصبية. انتصب وسكن في جلوسه. نهض فجأة كأنه انطلق من قذيفة، مسرعاً بخطواته القصيرة، وجسده يعلو ويهبط مع كل خطوة. وظهر كالنذير في وسط المحرم: مستقيماً، قذراً، مشمئزّاً، بالغ الضآلة. قال: - وش هالحس؟ توقف كل شي لحظة. انفرج فمه وأصبح أنفه أحد تجاعيد وجهه الكثيرة. ثم ارتفعت يده السوداء الصغيرة التي تشبه المخلب بالخيزرانة وأهوى بها على كتف زنجي يحمل قربة ماء.

 وجه الزنجي العريض يتقلص، وينشج. قال: - هذي وطفا والله. ارتفع صوت وطفا: العبد الزفر. واندفعت خيزرانة الشيخ تهوي في كل الاتجاهات. رأى زنجياً داخلاً يحمل قربة ماء فضربه على عجيزته وساقيه وكتفه والزنجي يدب بحمله بثقة وهدوء كأن لا شيء يحدث. ووضحا تقف منتظرة انتهاء فورة الغضب. قالت بعد قليل: علامك؟ وشنهو مزعلك؟ نظر إليها، سقطت يده إلى جانبه وقال: - قللن حس. استدار بخفة وعاد إلى مجلس الرجال. وارتفع صوت وضحا محايداً، نسائياً جداً وغير موجه إلى أحد بالذات: - قللن حس يا نسوان. فيه ضيوف. عينا البدوية المتسوّلة تضطربان بجنون. رأتها وضحا التي لا يفوتها شيء فألقت إليها برغيف خبز. * مقطع من "بدو وزنوج وفلاحون"، 1976 

هذا الكتاب من تأليف غالب هلسا و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها

أديب أردني. ولد في إحدى قرى (ماعين) قرب (مادبا) في الأردن، يوم 18 ديسمبر 1932، وتوفي في اليوم ذاته من عام 1989 في دمشق عن سبعة وخمسين عاماً. تقلب غالب في شتى البلاد العربية، من لبنان، إلى مصر، إلى العراق، إلى سورية، بالإضافة إلى وطنه الأردن، وكان قد تركه في سن الثامنة عشرة إلى بيروت للدراسة في الجامعة الأمريكية هناك. لكن الشاب - الذي كان قد بدأ محاولة الكتابة في الرابعة عشرة من عمره - أُجبر على قطع إقامته في لبنان وعلى العودة إلى وطنه، ثم على مغادرته مرة أخرى إلى بغداد، ثم على ترك بغداد إلى القاهرة، حيث أنهى دراسته للصحافة في الجامعة الأمريكية. وأقام غالب في القاهرة لثلاثة وعشرين عاماً متصلة، يعمل في الترجمة الصحفية، ويكتب قصصاً وروايات، ويترجم الأدب والنقد، ويؤثر ـ بشخصه وبأعماله وبثقافته ـ في جيل الروائيين والقصاصين والشعراء الذي أُطلق عليه ـ فيما بعد ـ : (جيل الستينيات). وفي عام 1976، أُجبر غالب هلسا على ترك القاهرة إلى بغداد، التي غادرها بعد ثلاث سنوات إلى بيروت، حيث أقام إلى أن اجتاحت القوات الإسرائيلية العاصمة اللبنانية، فحمل السلاح، وظل في خنادق القتال الأمامية، وكتب عن هذه الفترة الهامة نصوصاً تجمع بين التحقيق الصحفي والقصة ثم رَحَل مع المقاتلين الفلسطينيين على ظهر إحدى البواخر إلى عدن، ومنها إلى إثيوبيا ثم إلى برلين. وأخيراً حطّ به الرحال في دمشق التي أقام بها إلى أن توفي بعد سبع سنوات من وصوله إليها. والعالم الروائي عند غالب هلسا عالم واحد، متنوع المناحي وعميق، لكنه محدد ومتواتر القسمات، يدور أساساً حول شخصية الراوي التي تأتينا أحياناً بضمير المتكلم، وأحياناً أخرى بضمير المفرد الغائب الذي ينبثق العالم الروائي منه. وفي أحيان كثيرة تبدو شخصية الكاتب سافرة، بملامحها المعروفة من حياة الكاتب. وفي أحيان أخرى يتخذ اسمه صريحاً. 
غالب كاتب وشخصية روائية، سواء، هو ابن وفيّ وقادر على الإفصاح، لتلك الحقبة التي زلزلت البلاد العربية جميعها تقريباً، من أواخر الأربعينيات حتى أواخر الثمانينيات: بآمالها وآفاقها وخياراتها وشعاراتها ووعودها وتطلعاتها، ثم بالضربة الساحقة في 1967 والانهيار الذي تلاها. والشهوة الحسية في كتابات غالب هلسا ليست بهيجة ولا فرحة، بل هي ليست تحققاً، إذ يستخدمها الكاتب في التعبير عن الخذلان والفشل والسقوط. نشر غالب في حياته سبع روايات:
الضحك، 1971.
الخماسين، 1975.
السؤال، 1979.
البكاء على الأطلال، 1980.
ثلاثة وجوه لبغداد، 1984.
نجمة، 1992 (طبعة ثانية).
سلطانة، 1987.
الروائيون، 1988.
كما نشر غالب مجموعتين من القصص: (وديع والقديسة ميلادة)، 1969 و(زنوج وبدو وفلاحون)، 1976. هذا فضلاً عما ترجمه من أعمال نظرية لغاستون باشلار، وأعمال أدبية لسالنجر وفوكنر وغيرهم.